بسم الله الرحمن الرحيم
... بلال بن رباح .. مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ((أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا)) يعني بلالاً وإن رجلاً يلقبه عمر بـ(سيدنا) لهو رجل عظيم ومحظوظ لقد كان رجلاً شديد السمرة نحيف الجسم طويل القامة كث الشعر كان عندما يسمع كلمات الثناء توجه إليه يحني رأسه ويغض طرفه ويقول (( إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبداً))
إنه بلال بن رباح مؤذن الإسلام .
كان قبل إسلامه عبداً رقيقاً لأمية بن خلف لكن صدق إيمانه وعظمة الدين الذي آمن به بوأه في حياته وفي تاريخه مكاناً علياً لم يستطع أن يتوصل إليه كثيرون من أبطال التاريخ وأصحاب الجاه والنفوذ .
كان يعيش عيشة الرقيق تمضي أيامه متشابهة قاحلة لا حق له في يومه ولا أمل له في غده , فعندما أشرقت مكة بأنوار الدين الجديد وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة التوحيد سمع سيدنا بلال أنباء هذا الدين تتناقله رجال وعظماء قريش ومنهم سيده أمية بن الخلف الذي كان يتحدث مع أصدقائه حيناً وأفراد قبيلته أحيانا عن الرسول حديثاً يطفح غيظاً وغماً وشراً كما أنهم كانوا يعترفون بشرف سيدنا محمد وصدقه وأمانته ورجاحة عقله وكانوا يعجبون ويحارون في هذا الذي جاء به محمد وسمعهم يتهامسون بالأسباب التي تحملهم على تحديه وعداوته تلك هي ولاؤهم لدين آبائهم .
الخوف على مجد قريش - الحقد على بني هاشم أن يخرج منهم دون غيرهم نبي رسول وذات يوم يبصر بلال نور الله فيذهب إلى رسول الله ويسلم فقد أسلم ولم يكن على ظهر الأرض إلا بضعة نفر من السابقين الأولين .
ولا يلبث خبر إسلامه أن يذيع حتى وصل إلى أمية بن خلف الذي رأى في الإسلام بلال لطمة جللته بالخزي والعار فتوعد أن يذيقه أشد أنواع العذاب ولكن سيدنا بلال وقف موقفاً كان شرفاً للإسلام وللإنسانية جمعاء .
لقد صمد لأقسى أنواع التعذيب صمود الأبرار العظام لقد وضع عرياناً فوق الجمر على ان يزيغ عن دينه فأبى فكانوا يخرجون به في الظهيرة إلى الصحراء فيطرحونه على حصاها الملتهبة وهو عريان ثم يأتون بحجر كالحميم ينقله من مكانه بضعة رجال ويلقون به فوق جسده وصدره ويتكرر هذا العذاب كل يوم ويكرر سيدنا بلال نشيده الخالد ((أحد .. أحد )) يصيح به جلادوه ( اذكر اللات والعزى) فيجيبهم (( أحد أحد )) إني لساني لا يحسنه وكان أمية بن خلف إذا ملّ من تعذيبه طوق عنقه بحبل غليظ وأسلمه إلى السفهاء والولدان وأمرهم أن يطوفوا به في شعاب مكة و بلال لا يلهج لسانه بغير نشيده المقدس (( أحد أحد)) فلا يمل من ترداده ولا يشبع من إنشاده بل إنما يستعذب العذاب في سبيل الله ورسوله .
وقد عرض أبو بكر الصديق على أمية بن خلف أن يشتريه منه فأغلى به الثمن فاشتراه منه بتسع أوراق من الذهب فقال له أمية بعد أن باعه : لو أبيت أخذه إلا بأوقية لبعته فقال له الصديق لو أبيت بيعه إلا بمئة لاشتريته وانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشره بتحريره وكان عيداً عظيماً وبعد هجرة رسول الله إلى المدينة واستقرارهم بها يشرع رسول الله للصلاة آذانها فيكون بلال المؤذن للصلاة باختيار من رسول الله ليكون أول مؤذن للإسلام وينشب القتال بين جيش المسلمين وجيش قريش الذي قدم المدينة غازياً في هذه الغزوة أفلاذ أكبادها وخرج أشرافها جميعاً لمصارعتهم ولقد هم بالنكوص عن الخروج أمية بن خلف لولا أن ذهب إليه صديقه (عقبة بن أبي معيط ) حاملاً محجرة وقال له استجمر فإنما أنت من النساء فلم يجد بداً من الخروج مع الغزاة مخرج ليكون نهايته على يد سيدنا بلال فحين بدأ القتال بين الفريقين كان شعار المسلمين أحد ... أحد وتلاحمت السيوف وحمي القتال وبينما المعركة تقترب من نهايتها لمح أمية بن خلف (عبد الرحمن بن عوف ) فاحتمى به وطلب إليه أن يكون أسيره رجاء أن يخلص بحياته وقبل عبد الرحمن عرضه وأجاره وسار به إلى مكان الأسرى وفي الطريق لمحه بلال فصاح : رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا .
وشاء الله أن تكون نهايته على يد سيدنا بلال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمره أن يعلو ظهر المسجد ويؤذن و يؤذن بلال رضي الله عنه وعاش سيدنا بلال مع رسول الله يشهد معه المشاهد كلها ويؤذن للصلاة و يحمي ويحمي شعائر هذا الدين العظيم الذي أخرجه من الظلمات إلى النور ومن الرق إلى الحرية مرة أصبح النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال : يا بلال بم سبقتني إلى الجنة ؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي إني دخلت البارحة فسمعت خشخشتك قال : ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين فقال صلى الله عليه وسلم : هذا ولقد ظل بلال يؤذن للرسول صلوات الله عليه وسلم طوال حياته ولما انتقل رسول الله إلى الرفيق الأعلى وحان وقت الصلاة قام بلال يؤذن بالناس فلما وصل إلى قوله أشهد أن محمداً رسول الله خنقته العبرات واحتبس صوته في حلقه وأجهش المسلمون في البكاء ثم أذّن بعد ذلك ثلاثة أيام فكان كلما أذّن بكى وأبكى عند ذلك طلب من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعفيه من الأذان بعد أن أصبح لا يحمله ورحل بعد ذلك عن المدينة وأقام بدمشق مرابطاً ولقد ظل ممسكاً عن الأذان حتى قدم سيدنا عمر بلاد الشام فطلب منه أن يؤذن لهم صلاة واحدة فأذن سيدنا بلال فبكى الصحابة وكان سيدنا عمراً أشدهم بكاء ولقد ظل مقيماً مرابطاً في الشام حتى وافاه الأجل فكانت امرأته تصيح قائلة واحزناه وكان يفتح هو عينيه في كل مرة ويجيبها قائلاً:وافرحاه
ثم لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يردد : غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه
لقد توفي أعظم رجال البشر صلابة وأرحمهم قلباً سيدنا
بلال بن رباح