يستوقفك طفلك وأنت ذاهب إلى العمل ليطلب منك لعبة أو قصة بعد عودتك، ربما أنت تنتمي إلى الملايين الذين لا يتعبون أنفسهم فيتوقفون في طريق العودة أمام أقرب متجر للألعاب أو أقرب مكتبة لشراء كتاب أو لعبة من دون تدقيق أو تمحيص ومن دون تفكير إن كانت هذه اللعبة تناسب طفلك أو أن هذا الكتاب يتوافق مع سنه وشخصيته، وربما كنت من الملايين الذين أعياهم السؤال الصعب كيف اختار لعبة أو كتابا لطفلي؟
الإجابة قد تجدها فيما يلي:
يرى فريد ربيع الموجه العام لمادة المكتبات أن القراءة من العناصر المهمة في حياة الطفل، فهي توسع من قدراته وتنمي ملكاته اللغوية وترفع من مستوى فهمه وتساعده على حل مشكلاته، وتشبع رغبته في التعلم واكتشاف العالم من حوله، كما أن القراءة تطلق في نفس الطفل وعقله عصافير الدهشة وهي البداية الأولى لشرارة الإبداع والنبوغ، كما يؤكد أن غالبية الدراسات التي تناولت القراءة عند الأطفال أكدت حقيقة مهمة وهي أن غرس عادة القراءة في الطفل منذ نعومة أظفاره يساعد على التقدم الدراسي.
يضيف فريد ربيع قائلا:
الحقيقة أننا نرتكب خطأ كبيرا تجاه أطفالنا بتجاهلنا غرس القراءة فيهم منذ السنوات الأولى، فبعض الآباء يهتمون باصطحاب أبنائهم إلى مطاعم الوجبات الجاهزة بحماس بينما لا يوجد لديهم الحماس نفسه لاصطحابهم إلى مكتبة عامة من اجل القراءة أو إلى مكتبة تجارية لشراء كتاب جديد، إن المطالعة هي أعظم هدية يمكن أن نقدمها لأطفالنا في حياتهم وسنعرف قيمة هذه الهدية بعد سنوات عندما يكبرون ويقدمون لنا العرفان بالجميل على هذه الهدية الرائعة التي منحناها لهم في طفولتهم.
لكل عمر كتاب
يشير فريد ربيع إلى أن هناك ملايين الأسر التي تعاني مشكلة كبيرة وهي كيفية اختيار الكتب المناسبة لأطفالهم، فيقول:
عملية اختيار كتاب للطفل عملية صعبة ولكنها ليست مستحيلة، لابد أن نشير إلى عالمين من القراءة الخاصة بالطفل الأول عالم ما قبل المدرسة، وما لا يعرفه الكثير من الآباء والأمهات أن علاقة الطفل بالكتب تبدأ منذ الشهور الأولى حيث يهتم بالألوان والصور، كما أن اهتمام الطفل بالقراءة يبدأ بالبزوغ منذ السنة الثانية أو الثالثة وهذا يتوقف على جو البيت الثقافي، فالطفل الذي ينشأ في بيت فيه مكتبة عامرة بالكتب ينتابه الفضول وحب الاستطلاع تجاه هذه الكتب خاصة الملونة منها، في هذه المرحلة يأتي دور الأسرة في غرس عادة القراءة لدى الطفل من خلال اختيار الكتب والقصص والمجلات التي تأخذ الصور والأشكال التوضيحية الحيز الأكبر منها وهنا يأتي دور القارئ للكتاب سواء الأم أو الأب فهنا ينصت الطفل ويستمع الى تفاصيل القصة أو الكتاب ويبدي الاهتمام بالصور وينتابه الفضول، إن مرحلة الاستماع هذه مرحلة مهمة حيث تمد الطفل بخبرات كبيرة وتثير خياله، ينتابه الفضول ويتمنى لو كان هو الذي يقرأ هنا. في هذه السنوات المبكرة نكون قد غرسنا البذرة الأولى لحب القراءة، إن هذه المرحلة تزود الطفل بمئات من الكلمات والجمل والتراكيب اللغوية التي سيصطحبها معه إلى المدرسة.
أما العالم الثاني فهو في مرحلة المدرسة حيث يبدأ الطفل تعلم القراءة ونلاحظ أن الطفل الذي ارتبط بالكتاب في سنوات ما قبل المدرسة يكون لديه استعداد أكبر لتعلم القراءة وللتفوق الدراسي، هنا يجب أن تكون الكتب التي نختارها للطفل قريبة من البيئة التي يعيش فيها وكأن الكتاب يحاكي هذه البيئة والاختيار الأمثل في هذه المرحلة هي قصص الحيوانات والتاريخ، ولأن الطفل بدأ يتعلم القراءة فيجب ألا تطغى الصورة على الكلمة، إنما نختار الكتب التي توازن بين الكلام المكتوب والصور، وفي هذه المرحلة يجب على الأسرة أن تنتقي للطفل مجلة من المجلات الموجهة للأطفال فتشترك له فيها أو تحرص على شرائها بانتظام لأن الطفل يشعر بسعادة بالغة عندما يعرف أن هذه المجلة موجهه إليه شخصيا وسيحرص على قراءتها والاحتفاظ بأعدادها المختلفة ووضعها في مكتبته الخاصة به.
مواصفات كتب الأطفال
أما عن المواصفات التي يجب أن يضعها أولياء الأمور في اعتبارهم عند اختيار الكتب لأطفالهم فيقول عنها فريد ربيع:
يجب على أولياء الأمور أن يتعاملوا باهتمام مع الكتب التي يجري اختيارها لأطفالهم وعليهم أن يتقنوا فرز الغث من السمين، لأن الكثير من الكتب تشتمل على صور وعبارات يجب على الطفل عدم الاطلاع عليها، فعند اختيار كتاب يجب أن يلقي الأب أو الأم نظرة سريعة وشاملة ليعرف موضوع الكتاب وطريقة كتابته حيث يجب أن يكون الموضوع سهلا وبسيطا خاليا من التعقيد ومكتوبا بلغة سهلة، كما يجب أن يتمتع بإخراج فني متميز من حيث الطباعة والصور ونوع الورق والألوان لكي تجذب الطفل ولا تنفره، والأهم أن يناسب الكتاب المرحلة العمرية فالكتاب الذي يناسب طفلا في السابعة لا يناسب آخر في العاشرة، وبعض الناشرين يضعون السن الموجه إليها الكتاب على الغلاف، وأخيرا فإن الأطفال هذه الأيام أصبحوا يستخدمون الكمبيوتر فظهرت الكتب الإلكترونية المخصصة لهم، هنا يجب أن نختار هذه الأشكال الإلكترونية بعناية مثل موسوعات الأطفال والقواميس والأطالس وبعض القصص والألعاب التي تشجع على القراءة والبحث عن المعلومات، لكن على الآباء أن ينتبهوا بحيث لا يجب أن تطغى الكتب الإلكترونية على قراءة الكتب التقليدية.
اللعبة تنمي شخصية الطفل
أما بالنسبة إلى ألعاب الأطفال فيرى الاستشاري النفسي للأطفال جاسم حاجية أن الألعاب من العناصر المهمة في حياة الطفل فيقول:
يخطئ البعض بالتعامل باستهانة وسطحية مع هذه الألعاب باعتبارها لعب عيال وأنها غير مهمة ويخطئ بعض الآباء عندما لا يتعاملون مع ألعاب الأطفال بشيء الأهمية والاهتمام، فكل الدراسات الحديثة أثبتت أن العاب الأطفال لها دور كبير في التنشئة الاجتماعية والنفسية والتربوية للطفل، كما أنها تساعده على النمو الجسمي والعقلي، بل إن من بين أساليب التربية الحديثة أصبح هناك ما يسمى التعليم باللعب، فاللعبة تنمي قدرات الطفل وتشبع رغباته في الوقت نفسه.
ولشخصية الطفل خلال سنوات الطفولة الأولى العديد من الجوانب الشخصية فهناك الجانب العقلي والاجتماعي والنفسي والاجتماعي، وعند اختيار الألعاب يجب أن تغطي كل هذه الجوانب في شخصية الطفل، فعندما نريد أن ننمي ذكاء الطفل يجب أن نختار ألعابا تساعد على تنمية مهارات الذكاء والمهارات العقلية للطفل مثل ألعاب المكعبات فهي في الحقيقة تعلمه مبادئ الهندسة والرياضيات، وعندما نريد أن ننمي الجانب الاجتماعي نختار ألعابا مشتركة بحيث يلعبها الطفل مع طفل آخر، أو مثل اختيار العرائس للبنات حيث تنمي الجانب العاطفي لديهن، ومن الخطأ أن نركز على نوعية واحدة من الألعاب وإنما يجب أن نختار الألعاب المتنوعة التي تنمي كل هذه الجوانب في شخصية الطفل.
ومن الأخطاء التي يقع فيها الآباء عند شراء لعبة عدم التنبه إلى مرحلة العمرية وإلى اختلاف الاختيارات بين الذكور والإناث، فمثلا من غير المعقول أن اشتري مكعبات لطفل رضيع لأن ما يناسب هذا الطفل العاب الطيور والدمى القطنية، ويزداد تعقد اللعبة كلما ازداد عمر الطفل، كما أن اختيار لعبة للذكر يختلف عن اختيار لعبة للأنثى، فالبنات يفضلن الألعاب الرقيقة مثل العرائس بينما يفضل الذكور الألعاب الحركية مثل السيارات والمسدسات.
الحذر من الألعاب الالكترونية
وينبه د. حاجية إلى أن ألعاب الكمبيوتر تشكل سلاحا ذا حدين بالنسبة إلى أطفالنا ويتوقف الأمر على دقة الاختيار فيقول:
نحن نعيش في عصر الكمبيوتر الذي أصبح الأطفال من بين مستخدميه المفضلين ولذا فإن أخطر الألعاب التي يتعامل معها الطفل هي العاب الكمبيوتر وهي سلاح ذو حدين فيمكن من خلال الاختيار الأمثل لهذه الألعاب أن ننمي شخصية الطفل بشكل طيب لكن الاختيار السيئ يمكن أن يكون له جوانب سلبية، فالكثير من العاب الكمبيوتر تشتمل على قدر كبير من العنف والعدوانية وعند تعرض الطفل لساعات طويلة لهذه الألعاب يحدث تغييرات كبيرة في شخصيته ففي البداية يتحول لعبه بألعاب الكمبيوتر إلى إدمان ثم تنتابه العصبية والنرفزة في حالة منعنا عنه هذه الألعاب.
لكن الأخطر أن الدراسات التي تناولت تأثير العاب الكمبيوتر على الأطفال أكدت أنها تساهم في زيادة العدوانية والعنف لدى الأطفال وهنا يأتي دور الآباء في عملية الاختيار الأمثل لهذه الألعاب بحيث نختار لأطفالنا الألعاب البعيدة عن العنف والدماء وان نختار الألعاب التي تناسب مراحلهم السنية والألعاب التي تنمي قيم العدل والحق وليس العنف والعدوان.
وهناك نقطة ألفت نظر الآباء إليها وهي أن عليهم ليس فقط توفير الألعاب لأطفالهم وانتهى الأمر، بل يجب أن نلاحظ أطفالنا وهم يلعبون، ومن خلال هذه الألعاب يمكن ملاحظة بعض المعاناة النفسية التي يمر بها الطفل في سنوات الطفولة المبكرة، فاللعب بالنسبة إلى الطفل متعة لكن عندما نلاحظ أن اللعب تحول إلى معاناة وإلى فعل سلوكيات غير سوية، هنا قد يكون الطفل يعاني من مشكلة نفسية وعلى الآباء عرضه على اختصاصي نفسي لمعرفة المشكلة.
دعوهم يختارون ألعابهم
ويؤكد د. حاجية ضرورة إشراك الطفل في اختيار الألعاب وألا يفرض الآباء ألعابا معينة على أطفالهم فيقول:
على الآباء عدم فرض ألعاب معينة على الطفل بل يجب مشاركة الأطفال في اختيار الألعاب، فبعض الآباء يتعاملون بدكتاتورية مع العاب الطفل حيث إنهم يعطون لأنفسهم الحق في اختيار العاب أطفالهم وفقا لرؤيتهم ومزاجهم هم، على رغم أنها ليست لهم وهذا غير منطقي، فالألعاب التي كانت موجودة على أيامنا اختفت ولم تعد تناسب الجيل الجديد ولذا يجب أن نضع رغبة أطفالنا في اختيار ألعابهم في الاعتبار ونأخذ رأيهم فيجب اصطحابهم إلى محلات الألعاب لكي يختاروا ألعابهم بأنفسهم وعند اعتراضنا على لعبة نبين لهم سبب الاعتراض.