هل يتقن الأولاد بعض تفاصيل مسألة ما إذا تعلموها مدة نصف ساعة أسبوعياً من دون إنجاز فروض؟ عندما تكون هذه المسألة لغة أخرى، يؤكد المعنيون بشؤون التعليم أن هذا ممكن.
توضح جولي شوغارمان، باحثة في مركز علم الألسنية التطبيقي الذي لا يتوخى الربح في واشنطن: «لن يتقن الأولاد لغة ما إذا تعرّضوا لها مدة نصف ساعة أسبوعياً، وبرامجنا تسعى إلى تعريضهم للغة فحسب. فنحن لا نمتنع عن تعليم الأولاد الرياضيات في المدرسة الابتدائية لمجرد أنهم عاجزون عن حل المسائل الحسابية في الصف السادس».
بات تعلّم لغة أجنبية بالغ الأهمية بعد أن صارت اقتصادات العالم متشابكة. وعلى رغم أن الأبحاث الجديدة حول الدماغ تكشف طرق الإنسان الغامضة لاكتساب اللغة، تنشأ أسئلة محيّرة بشأن ما يشكل سبل التعليم الفاعلة. ففي عهد قانون «عدم حرمان أي طفل من التعليم»، الذي يركّز على مهارات القراءة والحساب الأساسية، يؤكد بعض المعنيين بشؤون التعليم أن الوقت المتبقي لتعلم لغة أجنبية قصير جداً.
تشدد مدرّسة اللغة الإسبانية ليزا فييريا على المهارات التحدثية الأساسية خلال النصف ساعة التي تمضيها أسبوعياً مع تلامذة الصف الثاني في مدرسة آفرغرين ميل الابتدائية في مقاطعة لودون بفرجينيا.
دفعت فييريا أمامها عربة كبيرة تتكدس فوقها كتب وبطاقات كلمات وغيرها من مواد. تتكلم هذه المدرسة الإسبانية طيلة النصف الساعة حتى لو لم يفهم التلامذة ما تقوله، وبعد أن تعلّمهم أسماء الحيوانات في المزرعة، تسألهم بالإسبانية: «أي حيوان هو هذا؟». فيقدم كثر منهم إجابات صحيحة، فيما يخلط أحدهم بين الحصان واللون الرمادي.
تذكرت فييريا: «سرعان ما يعتادون ذلك». لا نطلب من التلامذة إنجاز أي فروض، بل نشجعهم على التكلّم بلغة أجنبية. يتعلم أولاد الصفين الأول والثاني هذه اللغة مدة نصف ساعة أسبوعياً. أما تلامذة الصفوف الثالث إلى الخامس فيتعلمونها مدة نصف ساعة مرتين أسبوعياً.
يُظهر تقييم وضع الأولاد في الصف الخامس، على حد قول فييريا، أن البرنامج يزود الأولاد بمعلومات أساسية عن هذه اللغة، ما يتيح لهم تكلّمها: «أود بالطبع أن يُخصَّص لهذه اللغة وقت أطول، لكن هذا لا ينفي أن للفترة القصيرة تأثيراً كبيراً».
تعتمد سوزانا وينبرينر مقاربة مختلفة في تدريسها الصف الثاني في مدرسة سيزار شافيز الابتدائية في مقاطعة برينس جورج بماريلاند، التي تُعلم الأسبانية كلغة ثانية أساسية. ففي هذه المدرسة يتلقى التلامذة دروساً باللغتين الأسبانية والإنكليزية يومياً. أما المواضيع التي تُعطى بالأسبانية فهي الفنون الأدبية الإسبانية والدراسات الاجتماعية. ويُعتبر تركيز هذه المدرسة على اللغة الثاني جزئياً، على رغم أن تلامذة الحضانة والصف الأول يتلقون كامل دروسهم بالأسبانية.
تقنيات حديثة
يتعلم التلامذة المواد عبر تقنيات متنوعة تختلف عن الأساليب التقليدية، التي تركز على المفردات والقواعد، وتخفق عادة في مساعدة الولد على إتقان اللغة. يذكر المدير خوسيه تابوادا الثاني: «نعلم الأولاد إتقان اللغة. لا نتكلم هنا عن تعلّم الأسبانية وحدها. فعندما تتعلم لغة ثانية، تعرف السبيل إلى تعلم لغات أخرى، لا اللغة المحكية فحسب، بل أيضاً لغة الرياضيات ولغة الكمبيوتر. فيتفتح ذهنك».
عندما سئلت فييريا في مدرسة آفرغرين ميل عن العائق الأساسي أمام تعلّم الإسبانية، ذكرت ضيق الوقت. أما تابوادا من مدرسة سيزار شافيز فذكر خوف الأهل من أن تتراجع قيمة ثقافتهم في نظر أبنائهم. يوضح قائلاً: «خلال أول اجتماع مع الأهل، أقول لهم: كفوا عن القلق».
هدف البرنامجين تعليم الأولاد بدءاً من سن مبكرة. يذكر تابوادا: «كلما صغر سنهم، سهل عليهم تعلم لغة جديدة». لكن لا داعي لأن يقلق الأهل الذين يخشون من أن يفوّت أولادهم فرصة إتقان لغة جديدة ما لم يبدأ هؤلاء بتعلمها في الصف الثالث. توضح شوغارمان من مركز علم الألسنية أن الأبحاث تُظهر أن تلامذة المدارس المتوسطة والثانوية يحرزون غالباً تقدماً سريعاً في تعلم اللغات، يفوق قدرة الصغار غير المستعدين فكرياً لتقبل مبادئ القواعد والأمور المماثلة.
تتابع شوغارمان أن الصغار يتشربون اللغة، لا لأن أدمغتهم تشبه الإسفنج فحسب، بل أيضاً لأن المواد تتناسب تماماً مع المدرسة الابتدائية: إلقاء التحية، الأعداد، الفصول، الطقس، أيام الأسبوع وغيرها: «من بين الأسباب التي تجعل تعلم لغة أجنبية أقل فاعلية في الصفوف الأعلى أن الطلاب يعجزون عن تعلم أمور تتناسب مع مقدراتهم التفكيرية، ما يُشعرهم بالضجر».